فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ أبيّ سيرت الجبال {وترى الأرض بارزة} أي منكشفة ظاهرة لذهاب الجبال والظراب والشجر والعمارة، أو ترى أهل الأرض بارزين من بطنها.
وقرأ عيسى {وتُرى الأرض} مبنيًا للمفعول {وحشرناهم} أي أقمناهم من قبورهم وجمعناهم لعرصة القيامة.
وقال الزمخشري: فإن قلت: لم جيء بحشرناهم ماضيًا بعد تسير وترى؟ قلت: للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير وقبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم، كأنه قيل: {وحشرناهم} قبل ذلك انتهى.
والأولى أن تكون الواو واو الحال لا واو العطف، والمعنى وقد {حشرناهم} أي يوقع التسيير في حالة حشرهم.
وقيل: {وحشرناهم} {وعرضوا} {ووضع الكتاب} مما وضع فيه الماضي موضع المستقبل لتحقق وقوعه.
وقرأ الجمهور: نغادر بنون العظمة وقتادة تغادر على الإسناد إلى القدرة أو الأرض، وأبان بن يزيد عن عاصم كذلك أو بفتح الدال مبنيًا للمفعول واحد بالرفع وعصمة كذلك، والضحاك نغدر بضم النون وإسكان الغين وكسر الدال، وانتصب {صفًا} على الحال وهو مفرد تنّزل منزلة الجمع أي صفوفًا.
وفي الحديث الصحيح: «يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفًا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر» الحديث بطوله وفي حديث آخر: «أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفًا أنتم منها ثمانون صفًا» أو انتصب على المصدر الموضوع موضع الحال أي مصطفين.
وقيل: المعنى {صفًا} صفًا فحذف صفًا وهو مراد، وهذا التكرار منبيء عن استيفاء الصفوف إلى آخرها، شبه حالهم بحال الجند المعروضين على السلطان مصطفين ظاهرين يرى جماعتهم كما يرى كل واحد لا يحجب أحد أحدًا.
{لقد جئتمونا} معمول لقول محذوف أي وقلنا و{كما خلقناكم} نعت لمصدر محذوف أي مجيئًا مثل مجيء خلقكم أي «حفاة عراة غرلًا» كما جاء في الحديث، وخالين من المال والولد و{أنْ} هنا مخففة من الثقيلة.
وفصل بينها وبين الفعل بحرف النفي وهو {لن} كما فصل في قوله: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع} و{بل} للإضراب بمعنى الانتقال من خبر إلى خبر ليس بمعنى الإبطال، والمعنى أن لن نجمع لإعادتكم وحشركم {موعدًا} أي مكان وعد أو زمان وعد لإنجاز ما وعدتم على ألسنة الأنبياء من البعث والنشور، والخطاب في {لقد جئتمونا} للكفار المنكرين البعث على سبيل تقريعهم وتوبيخهم.
{ووضع الكتاب} وقرأ زيد بن عليّ {ووضع} مبنيًا للفاعل {الكتاب} بالنصب.
و{الكتاب} اسم جنس أي كتب أعمال الخلق، ويجوز أن تكون الصحائف كلها جعلت كتابًا واحدًا ووضعته الملائكة لمحاسبة الخلق وإشفاقهم خوفهم من كشف أعمالهم السيئة وفضحهم وما يترتب على ذلك من العذاب السرمدي، ونادوا هلكتهم التي هلكوا خاصة من بين الهلكات فقالوا يا ويلنا والمراد من بحضرتهم كأنهم قالوا يا من بحضرتنا انظروا هلكتنا، وكذا ما جاء من نداء ما لا يعقل كقوله: {يا أسفي على يوسف} {يا حسرتي على ما فرطت} {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} وقول الشاعر:
يا عجبًا لهذه الفليقة ** فيا عجبًا من رحلها المتحمل

إنما يراد به تنبيه من يعقل بالتعجب مما حل بالمنادي.
و{لا يغادر} جملة في موضع الحال.
وعن ابن عباس: الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة.
وعن ابن جبير: القبلة والزنا وعن غيره السهو والعمد.
وعن الفضيل صبحوا والله من الصغائر قبل الكبائر، وقدمت الصغيرة اهتمامًا بها، وإذا أحصيت فالكبيرة أحرى {إلاّ أحصاها} ضبطها وحفظها {ووجدوا ما عملوا حاضرًا} في الصحف عتيدًا أو جزاء ما عملوا.
{ولا يظلم ربك أحدًا} فيكتب عليه ما لم يعمل أو يزيد في عقابه الذي يستحقه أو يعذبه بغير جرم.
قال الزمخشري: كما يزعم من ظلم الله في تعذيب أطفال المشركين انتهى.
ولا يقال: إن ذلك ظلم منه تعالى لأنه تعالى كل مملوكون له فله أن يتصرف في مملوكيه بما يشاء، لا يسأل عما يفعل، والصحيح في أطفال المشركين أنهم يكونون في الجنة خدمًا لأهلها نص عليه في البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَوْمَ نُسَيّرُ الجبال}.
منصوبٌ بمضمر أي اذكرْ حين نقلَعُها من أماكنها ونسيّرها في الجو على هيئاتها كما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} أو نسير أجزاءَها بعد أن نجعلها هباءً مُنْبَثًّا، والمرادُ بتذكيره تحذيرُ المشركين مما فيه من الدواهي، وقيل: هو معطوفٌ على ما قبله من قوله تعالى: {عِندَ رَبّكَ} أي الباقياتُ الصالحات خيرٌ عند الله ويومَ القيامة. وقرئ: {تُسيَّر} على صيغة البناء للمفعول من التفعيل جريًا على سنن الكِبرياءِ وإيذانًا بالاستغناء عن الإسناد إلى الفاعل لتعيُّنه، وقرئ: {تَسِير} {وَتَرَى الأرض} أي جميعَ جوانبها والخطابُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل أحدٍ ممن يتأتّى منه الرؤيةُ، وقرئ: {تُرَى} على صيغة البناء للمفعول {بَارِزَةً} أما بروزُ ما تحت الجبال فظاهرٌ، وأما ما عداه فكانت الجبالُ تحول بينه وبين الناظرِ قبل ذلك، فالآن أضحى قاعًا صفْصِفًا لا ترى فيها عِوَجًا أمْتًا {وحشرناهم} جمعناهم إلى الموقف من كل أَوْب. وإيثارُ صيغةِ الماضي بعد نسيّر وتَرى للدِلالة على تحقق الحشْرِ المتفرِّع على البعث الذي يُنكره المنكرون، وعليه يدورُ أمرُ الجزاءِ وكذا الكلام فيما عطف عليه منفيًا وموجَبًا، وقيل: هو للدَّلالة على أن حشْرهم قبل التسيير والبروزِ ليعاينوا تلك الأهوالَ، كأنه قيل: وحشرناهم قبل ذلك {فَلَمْ نُغَادِرْ} أي لم نترُك {مّنْهُمْ أَحَدًا} يقال: غادره إذا تركه ومنه الغدْرُ الذي هو تركُ الوفاءِ والغديرُ الذي هو ماءٌ يتركه السيلُ في الأرض الغائرةِ، وقرئ بالياء وبالفوقانية على إسناد الفعل إلى ضمير الأرض كما في قوله تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} {وَعُرِضُواْ على رَبّكَ} شُبّهت حالُهم بحال جندٍ عُرضوا على السلطان ليأمُر فيهم بما يأمُر، وفي الالتفات إلى الغَيبة وبناءِ الفعل للمفعول مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافةِ إلى ضميره عليه السلام من تربية المهابةِ والجَرْي على سَنن الكبرياءِ وإظهار اللطفِ به عليه السلام ما لا يخفى {صَفَّا} أي غيرَ متفرِّقين ولا مختلِطين فلا تعرّض فيه لوَحدة الصفِّ وتعدّدِه، وقد ورد في الحديث الصحيح: «يجمع الله الأولين والآخِرين في صعيد واحد صُفوفًا» {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} على إضمار القولِ على وجه يكون حالًا من ضمير عُرضوا أي مقولًا لهم أو وقلنا لهم، وأما كونُه عاملًا في يومَ نسيّر كما قيل فبعيدٌ من جزالة التنزيل الجليلِ، كيف لا ويلزم منه أن هذا القولَ هو المقصودُ بالأصالة دون سائر القوارعِ مع أنه خاصُّ التعلق بما قبله من العَرض والحشر دون تسييرِ الجبال وبروزِ الأرض {كَمَا خلقناكم} نعتٌ لمصدر مقدّرٍ أي مجيئًا كائنًا كمجيئكم عند خلْقِنا لكم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} أو حال من ضمير جئتمونا أي كائنين كما خلقناكم أولَ مرة حُفاةً عُراة غُرْلًا أو ما معكم شيءٌ مما تفتخرون به من الأموال والأنصار كقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خلقناكم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خولناكم وَرَاء ظُهُورِكُمْ} {بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُمْ مَّوْعِدًا} إضرابٌ وانتقالٌ من كلام إلى كلام كِلاهما للتوبيخ والتقريعِ، أي زعمتم في الدنيا أنه لن نجعلَ لكم أبدًا وقتًا نُنْجز فيه ما وعدناه من البعث وما يتبعه، وأنْ مخففةٌ من المثقلة فُصِل بحرف النفي بينها وبين خبرِها لكونه جملةً فعليةً متصرِّفةً غيرَ دعاءٍ، والظرفُ إما مفعولٌ ثانٍ للجعل وهو بمعنى التصييرِ والأولُ هو موعدًا، أو حال من موعدًا وهو بمعنى الخلق والإبداعِ.
{وَوُضِعَ الكتاب} عطف على عُرضوا داخلٌ تحت الأمورِ الهائلة التي أريد تذكيرُها بتذكير وقتِها أُورد فيه ما أورد في أمثاله من صيغة الماضي دَلالةً على التقرر أيضًا، أي وُضع صحائفُ الأعمالِ، وإيثارُ الإفرادِ للاكتفاء بالجنس، والمرادُ بوضعها إما وضعُها في أيدي أصحابِها يمينًا وشمالًا وإما في الميزان {فَتَرَى المجرمين} قاطبةً فيدخل فيهم الكفرةُ المنكِرون للبعث دخولًا أوليًا {مُشْفِقِينَ} خائفين {مِمَّا فِيهِ} من الجرائم والذنوب {وَيَقُولُونَ} عند وقوفِهم على ما في تضاعيفه نقيرًا وقِطْميرًا {ياويلتنا} منادين لهِلَكتهم التي هلكوها من بين الهلَكات مستدْعين لها ليهلِكوا ولا يرَوا هولَ ما لاقَوه، أي يا ويلتَنا احضُري فهذا أوانُ حضورِك {مَا لهذا الكتاب} أي أيُّ شيء له، وقولُه تعالى: {لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} أي حواها وضبطَها، جملةٌ حاليةٌ محقِّقةٌ لما في الجملة الاستفهاميةِ من التعجب، أو استئنافيةٌ مبنيةٌ على سؤال نشأ من التعجب، كأنه قيل: ما شأنُه حتى يُتعجَّب منه؟ فقيل: لا يغادر سيئةً صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها {وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ} في الدنيا من السيئات، أو جزاءَ ما عملوا {حَاضِرًا} مسطورًا عتيدًا {وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} فيكتب ما لم يُعمَل من السيئات أو يزيد في عقابه المستحَّقِ فيكون إظهارًا لِمَعْدلة القلمِ الأزلي. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ} منصوب باذكر مضمرًا أي اذكر يوم نقلع الجبال من أماكنها ونسيرها في الجو كالسحاب كما ينبىء عنه قوله تعالى: {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} [النمل: 88]، وقيل: نسير أجزاءها بعد أن نجعلها هباء منبثًا والكلام على هذا على حذف مضاف، وجوز أن يكون التسيير مجازًا عن الأذهان والأفناء بذكر السبب وإرادة المسبب أي واذكر يوم نذهب بها وننسفها نسفًا فيكون كقوله تعالى: {وَبُسَّتِ الجبال بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاء مُّنبَثًّا} [الواقعة: 5- 6]، واعترض كلا الأمرين بأن صيرورة الجبال هباء منبثًا وإذهابها بعد تسييرها فقد ذكر بعض المحققين أخذًا من الآيات أنه أولًا تنفصل الجبال عن الأرض وتسير في الجو ثم تسقط فتصير كثيبًا مهيلًا ثم هباء منبثًا، والظاهر هنا أول أحوال الجبال ولا مقتضى للصرف عن الظاهر، ثم المراد بذكر ذلك تحذير المشركين ما فيه من الدواهي التي هي أعظم من ثالثة الأثافي، وجوز أبو حيان وغيره كون {يَوْمٍ} ظرفًا للفعل المضمر عند قوله تعالى: {لَّقَدْ جِئْتُمُونَا} [الكهف: 48] إلخ أي قلنا يوم كذا لقد جئتمونا، وفيه ما ستعلمه إن شاء الله تعالى هناك، وغير واحد كونه معطوفًا على ماقبله من قوله تعالى: {عِندَ رَبّكَ} [الكهف: 46] فهو معمول {خَيْرٌ} [الكهف: 46] أي الباقيات الصالحات خير عند ربك ويوم القيامة وحينئذ يتعين أن يكون المراد من {عند ربك} [الكهف: 46] في حكمه تعالى كما قيل به، وقرأ ابن عامر، وابن كثير، وأبو عمرو، والحسن، وشبل، وقتادة، وعيسى، والزهري، وحميد، وطلحة، واليزيدي والزبيري عن رجاله عن يعقوب {مِنْهُ الجبال} برفع الجبال وبناء تسير بالتاء ثالثة الحروف للمفعول جريًا على سنن الكبرياء وإيذانًا بالاستغناء عن الإسناد إلى الفاعل لتعينه، وعن الحسن أنه قرأ كذلك إلا أنه جاء بالياء آخر الحروف بدل التاء، وقرأ أبي {سيرت الجبال} بالماضي المبني للمفعول ورفع {الجبال}، وقرأ ابن محيصن. ومحبوب عن أبي عمرو {مِنْهُ الجبال} بالمضارع المفتتح بالتاء المثناة من فوق المبني للفاعل ورفع الجبال {وَتَرَى الأرض} خطاب لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل أحد ممن يتأتى منه الرؤية أي وترى جميع جوانب الأرض {بَارِزَةً} بادية ظاهرة أما ظهور ما كان منها تحت الجبال فظاهر، وأما ماعداه فكانت الجبال تحول بينه وبين الناظر قبل ذلك أو تراها بارزة لذهاب جميع ما عليها من الجبال والبحار والعمران والأشجار وإنما اقتصر على زوال الجبال لأنه يعلم منه زوال ذلك بطريق الأولى، وقيل: إسناد البروز إلى الأرض مجاز، والمراد ترى أهل الأرض بارزين من بطنها وهو خلاف الظاهر.
وقرأ عيسى {وَتَرَى الأرض} ببناء الفعل للمفعول ورفع الأرض {وحشرناهم} أي جمعناهم إلى الموقف من كل أوب بعد أن أقمناهم من قبورهم ولم يذكر لظهور إرادته، وعلى ما قبل يكون ذلك مذكورًا، وإيثار الماضي يعد {نُسَيّرُ وَتَرَى} للدلالة على تحقق الحشر المتفرع على البعث الذي ينكره المنكرون وعليه يدور أمر الجزاء وكذا الكلام فيما عطف عليه منفيًا وموجبًا، وقال الزمخشري هو للدلالة على أن حشرهم قبل التسيير والبروز ليعاينوا تلك الأهوال والعظائم كأنه قيل وحشرناهم قبل ذلك اهـ.
واعترض بأن في بعض الآيات مع الأخبار ما يدل على أن التسيير والبروز عند النفخة الأولى وفساد نظام العالم والحشر وما عطف عليه عند النفخة الثانية فلا ينبغي حمل الآية على معنى وحشرناهم قبل ذلك لئلا تخالف غيرها فليتأمل، ثم لا يخفى أن التعبير بالماضي على الأول مجاز وعلى هذا حقيقة لأن المضي والاستقبال بالنظر إلى الحكم المقارن له لا بالنسبة لزمان التكلم، والجملة عليه كما في الكشف وغيره تحتمل العطف والحالية من فاعل {نُسَيّرُ}.
وقال أبو حيان: الأولى: جعلها حالًا على هذا القول، وأوجبه بعضهم وعلله بأنها لو كانت معطوفة لم يكن مضى بالنسبة إلى التسيير والبروز بل إلى زمان التكلم فيحتاج إلى التويل الأول، ثم قال: وتحقيقه أن صيغ الأفعال موضوعة لأزمنة التكلم إذا كانت مطلقة فإذا جعلت قيودًا لما يدل على زمان كان مضيها وغيره بالنسبة إلى زمانه اهـ. وليس بشيء، والحق عدم الوجوب، وتحقيق ذلك أن الجمل التي ظاهرها التعاطف يجوز فيها التوافق والتخالف في الزمان فإذا كان في الواقع كذلك فلا خفاء فيه وإن لم يكن فلابد للعدول من وجه، فإن كان أحدهما قيدًا للآخر وهو ماض بالنسبة إليه فهو حقيقة ووجهه ما ذكر ولا تكون الجملة معطوفة حينئذ، فإن عطفت وجعل المضي بالنسبة لأحد المتعاطفين فلا مانع منه وهل هو حقيقة أو مجاز محل تردد، والذي يحكم به الانصاف اختيار قول أبي حيان من أولوية الحالية على ذلك، والقول بأنه لا وجه له لا وجه له، وحينئذ يقدر قد عند الأكثرين أي وقد حشرناهم {فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} أي لم نترك، يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر الذي هو ترك الوفاء، والغدير الذي هو ماء يتركه السيل في الأرض وقرئ: {يُغَادِرُ} بالياء التحتية على أن الضمير لله تعالى على طريق الالتفات.